Sunday, August 02, 2015

الزراعة في ابو زعبل



(1)

يسألني صديق بعد ان شاهد تجربة الزراعة التي قمت بها هذا العام .. اذا كان في الامكان الزراعة في مصر بنفس الطريقة ؟! يبدو استفهامه بغرض النفي ... ويبدو متشككا ان هناك اي يشئ من الممكن ان ينمو في هذا البلد ...
اجيبه : بالتأكيد ممكن جدا ... ولكن الزراعة كالحب ، تحتاج الى عناية شديدة وممارسة يومية



(2)
هذه الايام مع نمو شجراتي الصغيرة اتذكر عدة مشاهد من الماضي ...
اتذكر شجرة الموز التي كان جدي يصر على زراعتها في المنور الصغير لبيته ، واتذكر ارانب جدتي التي كانت تعيش في نفس المنور وتصنع لنفسها نفقا بطوله تتحرك من خلاله وتختبأ فيه ، اتذكر كل الطيور التي كانت جدتي تربيها فوق السطوح والعشش التي كانت تصنعها لهم ... جلستها في الشمس تقطع قشر البطيخ الى قطع متناهية الصغر لتكون اكل لدجاجاتها او نفس الجلسة مع بطة تحت ثنية ساقها في محاولة "لتزغيطها" 

.

(3)
اتذكر حديقة صغيرة جدا تطل عليها شقة جدو علي "الله يرحمه" في مساكن السكك الحديدية بأبو زعبل ، اتذكره يأمرني في وقت تحضير الفطار بالنزول الى الحديقة لاحضار الطماطم  او اعواد الجرجير ، اتذكر شجراته ، وكيف كان يرتب نباتاته في الاحواض ، احب هذا البيت ، كان بسيط جدا ، وجميل جدا ، ورغم ارتباط "ابو زعبل" في الذهن دائما بسيرة السجن الكريهة ، دائما ما اتذكر هذا البيت بالمحبة وبالجمال التي كانت يشع من بنات جدو علي الحلوات مثل اسمائهم "سوسن ويسرية وشادية وناهد " جدو علي كان شخص ذو بنية ضعيفة وهزيل وصامت في معظم الاوقات كان مجهد بسبب عمله كعامل في السكك الحديدية ، ولكني كانت اراه دائما شخصا عظيما لعدة اسباب اولها اعتناءه بالحديقة وثانيها اسماء بناته وثالثها انه ترك مساحة لأبلة "شادية" ان تدخل كلية الفنون الجميلة في القاهرة وتصبح فنانة ، كنت انظر للوحاتها بانبهار شديد في ذلك الوقت



(4)
ابن ابلة شادية الكبير اصبح مهندسا بحريا يقول لي الفيس بوك انه في طريقه اليوم ليبدأ رحلته الاولى حول العالم من بولندا في تدريب بحري لمدة 6 شهور ، اتمنى لو كنت معه واترحم على جدو "على" الذي كان رغم بساطة الحال ، يؤمن بأن " من زرع حصد " وأتخيل ابتسامته لو رأي حفيده اليوم !


(5)
تقول لي صديقتي ونحن في قارب في قلب بحيرة محاطة بالجبال بمدينة ما شمال كندا ، انها تريد كوخا في قلب جبل مثل هذا تقضي فيه اجازاتها ، اقول لها انها تستطيع شرائه خلال عدة سنوات ، ربما لن تستمتع به الان في هذه اللحظة ولكنه سيصبح ملكها يوما ما ، والاجمل انه سيصبح مكانا لاولادها في المستقبل ، يقضون فيه اجازاتهم ، من حظ الجيل الثاني ان يترك لهم الاباء ميراثا ما، ولكن هل يكون الاباء بالقوة الكافية لزراعة نخلات يعرفون جيدا انهم لن يذوقوا ابدا من تمرها ؟!  


(6)
الزراعة وتربية الحيوانات وتربية البشر ، مسألة تحتاج الكثير من الصبر ، وتحتاج مقدار اكبر من الايمان والحب ، المسألة ليست استثمار او عمل في انتظار الأجر ، المسألة اكبر من ذلك ...
انها الاستمتاع بالزراعة والتربية ، بالعملية ذاتها ، دون النظر لمن يجني المحصول او من يدفع الثمن ، او هل يعتني بنا ابنائنا عندما نكبر ويحبوننا ام لا ؟!

انه الايمان بأن " من زرع حصد "  

 * كل الصور من بلكونتي في تجربة الزراعة لأول مرة :)